النص وحركية والواقع قراءة عقلانية لجدلية الثابت والمتغير

لا يصح معاملة الرؤية الفلسفية المتبلورة من شبكة المفاهيم التي صاغها النشاط الفكري للمسلمين، عبر تأريخ الإسلام، على أنها صورة مكتملة، ومغلقة على ذاتها؛ ما دامت هي في جوهرها حصيلة كل من جهود الإنسان في فهم النصوص الدينية، من جهة، وجهوده في فهم التجربة البشرية العالمية من جهة أخرى، وكما أن جهود فهم الن...

Full description

Bibliographic Details
Main Author: صلاح الجابري
Format: Article
Language:Arabic
Published: University of Baghdad 2018-12-01
Series:مجلة الآداب
Online Access:https://aladabj.uobaghdad.edu.iq/index.php/aladabjournal/article/view/329
_version_ 1818779247053897728
author صلاح الجابري
author_facet صلاح الجابري
author_sort صلاح الجابري
collection DOAJ
description لا يصح معاملة الرؤية الفلسفية المتبلورة من شبكة المفاهيم التي صاغها النشاط الفكري للمسلمين، عبر تأريخ الإسلام، على أنها صورة مكتملة، ومغلقة على ذاتها؛ ما دامت هي في جوهرها حصيلة كل من جهود الإنسان في فهم النصوص الدينية، من جهة، وجهوده في فهم التجربة البشرية العالمية من جهة أخرى، وكما أن جهود فهم النص لم تتوقف ولن تتوقف، كذلك التفاعل مع التجربة البشرية العالمية لم يتوقف ولن يتوقف أيضاً؛ ولذلك فالتصحيح والإضافة مستمران ما دام العقل يزاول نشاطه النقدي والاستشرافي؛ وهذا يعني أن سبب الانغلاق هو توقف العقل النقدي وغياب العقل الاستشرافي، وحضور العقل السلفي الذي أغلقها على ثلة من الأوائل، فتحجرت إلى أيديولوجية استبدادية، ثم نكصت إلى ممارسة إرهابية، وتبقى تلك الرؤية ومناهجها، وإن كانت إلهية في أصلها، خياراً فكرياً مفتوحاً، فضلا عن كونها خياراً دينياً (لا إكراهياً) في أساسها وجوهرها، وهذا الخيار قابل للتحدي والاعتراض بصورة مستمرة من لدن العقل النقدي، حتى لو كان النظام الإسلامي للحياة والرؤية الفلسفية التي تؤطره، هما في عين الواقع وعين الذهن أيضاً، الخيار السليم والدافع الحضاري لحركة المجتمع وارتقائه؛ لأن النقد هو آلية التصحيح وتشخيص الأخطاء. الاختلاف مبدأ في حين أن الانسجام تشريع، الاختلاف أمر تكويني في حين أن الانسجام أمر لاحق تسببه جملة من الأفكار والحجج والأدلة التي ينشغل بها العقل وتؤدي إلى قناعات متشابهة لدى عقول متعددة، وأغلب الانسجام الاجتماعي غير عقلاني؛ ولم يكن حصيلة لأدلة وبراهين عقلية، بقدر هو نتاج العادة والألفة بسبب طول التعايش كما يحصل في القبائل والتجمعات البشرية الأخرى القائمة على التعاون والمصالح المشتركة، ولما كانت التجمعات البشرية تختلف عاداتها وقناعاتها بحسب طرق العيش والمصالح المشتركة والأمكنة الجغرافية التي تشغلها، فليست المطابقة هي المعيار الوحيد السائد في واقع إنساني متنوع الاتجاهات والرؤى، ومن هنا ينشأ التحدي الفكري الذي يفترض الحوار ويستلزمه. وغني عن البيان أن ذلك التحدّي يحفِّزُ الذهنَ ويهزُّ منظومة الأفكار ويخلخل توازنها مؤقتاً، فيولِّد حالة جديدة من الحراك الفكري الذي يستهدف الفحص وإعادة البناء، كما يفتح مجالاً واسعاً لإغناء الفكر السائد (الإسلامي في مثالنا) من التجربة البشرية العالمية، وقد غرق المسلمون في سبات فكري طويل قطعت البشرية في غضونه أشواطاً بعيدة في عالم العلم والتكنولوجيا والفكر، ولا يحقق الانكفاء على الذات هوية منسجمة مع الواقع الراهن، بل يسبب عزلة فكرية، واغتراباً عصرياً؛ ولهذا السبب فإن الانفتاح الواعي على التجربة البشرية بمختلف أشكالها سيشكل مصدراً مهماً لتمكين رؤية إصلاحية لتنمية جميع مرافق الحياة، ولا يحصل ذلك اعتباطاً، وإنما يتحقق على وفق مناهج علمية تحدد طبيعة العلاقة الموضوعية أو المواجهة الإيجابية بين حضارة وأخرى، أو بين رؤية فكرية وأخرى مختلفة.
first_indexed 2024-12-18T11:57:35Z
format Article
id doaj.art-a9ac251ef4c6487faa77c7a80b4dc0c9
institution Directory Open Access Journal
issn 1994-473X
2706-9931
language Arabic
last_indexed 2024-12-18T11:57:35Z
publishDate 2018-12-01
publisher University of Baghdad
record_format Article
series مجلة الآداب
spelling doaj.art-a9ac251ef4c6487faa77c7a80b4dc0c92022-12-21T21:09:01ZaraUniversity of Baghdadمجلة الآداب1994-473X2706-99312018-12-01111910.31973/aj.v1i119.329النص وحركية والواقع قراءة عقلانية لجدلية الثابت والمتغيرصلاح الجابري0عميد كلية الآداب - جامعة بغدادلا يصح معاملة الرؤية الفلسفية المتبلورة من شبكة المفاهيم التي صاغها النشاط الفكري للمسلمين، عبر تأريخ الإسلام، على أنها صورة مكتملة، ومغلقة على ذاتها؛ ما دامت هي في جوهرها حصيلة كل من جهود الإنسان في فهم النصوص الدينية، من جهة، وجهوده في فهم التجربة البشرية العالمية من جهة أخرى، وكما أن جهود فهم النص لم تتوقف ولن تتوقف، كذلك التفاعل مع التجربة البشرية العالمية لم يتوقف ولن يتوقف أيضاً؛ ولذلك فالتصحيح والإضافة مستمران ما دام العقل يزاول نشاطه النقدي والاستشرافي؛ وهذا يعني أن سبب الانغلاق هو توقف العقل النقدي وغياب العقل الاستشرافي، وحضور العقل السلفي الذي أغلقها على ثلة من الأوائل، فتحجرت إلى أيديولوجية استبدادية، ثم نكصت إلى ممارسة إرهابية، وتبقى تلك الرؤية ومناهجها، وإن كانت إلهية في أصلها، خياراً فكرياً مفتوحاً، فضلا عن كونها خياراً دينياً (لا إكراهياً) في أساسها وجوهرها، وهذا الخيار قابل للتحدي والاعتراض بصورة مستمرة من لدن العقل النقدي، حتى لو كان النظام الإسلامي للحياة والرؤية الفلسفية التي تؤطره، هما في عين الواقع وعين الذهن أيضاً، الخيار السليم والدافع الحضاري لحركة المجتمع وارتقائه؛ لأن النقد هو آلية التصحيح وتشخيص الأخطاء. الاختلاف مبدأ في حين أن الانسجام تشريع، الاختلاف أمر تكويني في حين أن الانسجام أمر لاحق تسببه جملة من الأفكار والحجج والأدلة التي ينشغل بها العقل وتؤدي إلى قناعات متشابهة لدى عقول متعددة، وأغلب الانسجام الاجتماعي غير عقلاني؛ ولم يكن حصيلة لأدلة وبراهين عقلية، بقدر هو نتاج العادة والألفة بسبب طول التعايش كما يحصل في القبائل والتجمعات البشرية الأخرى القائمة على التعاون والمصالح المشتركة، ولما كانت التجمعات البشرية تختلف عاداتها وقناعاتها بحسب طرق العيش والمصالح المشتركة والأمكنة الجغرافية التي تشغلها، فليست المطابقة هي المعيار الوحيد السائد في واقع إنساني متنوع الاتجاهات والرؤى، ومن هنا ينشأ التحدي الفكري الذي يفترض الحوار ويستلزمه. وغني عن البيان أن ذلك التحدّي يحفِّزُ الذهنَ ويهزُّ منظومة الأفكار ويخلخل توازنها مؤقتاً، فيولِّد حالة جديدة من الحراك الفكري الذي يستهدف الفحص وإعادة البناء، كما يفتح مجالاً واسعاً لإغناء الفكر السائد (الإسلامي في مثالنا) من التجربة البشرية العالمية، وقد غرق المسلمون في سبات فكري طويل قطعت البشرية في غضونه أشواطاً بعيدة في عالم العلم والتكنولوجيا والفكر، ولا يحقق الانكفاء على الذات هوية منسجمة مع الواقع الراهن، بل يسبب عزلة فكرية، واغتراباً عصرياً؛ ولهذا السبب فإن الانفتاح الواعي على التجربة البشرية بمختلف أشكالها سيشكل مصدراً مهماً لتمكين رؤية إصلاحية لتنمية جميع مرافق الحياة، ولا يحصل ذلك اعتباطاً، وإنما يتحقق على وفق مناهج علمية تحدد طبيعة العلاقة الموضوعية أو المواجهة الإيجابية بين حضارة وأخرى، أو بين رؤية فكرية وأخرى مختلفة.https://aladabj.uobaghdad.edu.iq/index.php/aladabjournal/article/view/329
spellingShingle صلاح الجابري
النص وحركية والواقع قراءة عقلانية لجدلية الثابت والمتغير
مجلة الآداب
title النص وحركية والواقع قراءة عقلانية لجدلية الثابت والمتغير
title_full النص وحركية والواقع قراءة عقلانية لجدلية الثابت والمتغير
title_fullStr النص وحركية والواقع قراءة عقلانية لجدلية الثابت والمتغير
title_full_unstemmed النص وحركية والواقع قراءة عقلانية لجدلية الثابت والمتغير
title_short النص وحركية والواقع قراءة عقلانية لجدلية الثابت والمتغير
title_sort النص وحركية والواقع قراءة عقلانية لجدلية الثابت والمتغير
url https://aladabj.uobaghdad.edu.iq/index.php/aladabjournal/article/view/329
work_keys_str_mv AT ṣlạḥạljạbry ạlnṣwḥrkyẗwạlwạqʿqrạʾẗʿqlạnyẗljdlyẗạltẖạbtwạlmtgẖyr